-A +A
جولة : د.محمد الحربي تصوير: ماجد العتيق-سلطان الجهني
البلدة القديمة في العلا بعدما هجرها أهلها وغادرها آخرهم في العام 1395هـ وتركوا متعلقاتهم في البيوت من تراثيات قيمة تركت مشاعاً للصوص الذين انتهكوا حرمة منازلها وأتوا على الأخضر واليابس من هذا التراث وعلى مدى عدة عقود كانت البيوت تفتح وتنهب بدون احساس بقيمة هذه المسروقات الحقيقية التي قد لا تساوي شيئاً في بعض الأحيان وقد لا تقدر بثمن في احيان اخرى.. ورغم أعمال النهب التي كانت تتعرض لها البلدة امام مرأى الجميع, لم يتحرك أحد حتى لم يتبق فيها شيء. وبقيت البلدة بدون حراسات وبدون اهتمام حتى تهدمت بعض جدرانها واسوارها وكسرت ابوابها ونوافذها الاثرية.. ولم يتنبه لها الا بعد انشاء الهيئة العليا للسياحة وزيارة الأمير سلطان بن سلمان الأمين العام لها.
عبدالرحمن محمد مطير الحميد - مشرف الادارة المدرسية بإدارة التربية والتعليم في العلا قال ان بعض الآثار القديمة في العلا توجد عليها حراسات مثل آثار موانئ صالح ويوجد فيها مركز للشرطة, ولكن معظم الآثار الاخرى لا توجد عليها حراسات مثل البلدة القديمة التي يوجد فيها مسجد الصخرة ومسجد العظام الذي يعتقد ان الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيه اثناء مروره في المنطقة متوجهاً الى غزوة تبوك.
ويوجد بها عين قديمة تسمى "تدعل" وكان يطلق عليها "ام العلا" لأنها كانت تغذي كامل المنطقة بالماء ومسجد الصخرة يقال انه بني في عهد الدولة الاموية وقد اعيد ترميمه على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان.
كما يوجد في البلدة القديمة قلعة اثرية تسمى "قلعة موسى بن نصير" نسبة الى القائد المسلم موسى بن نصير عندما مّر في المنطقة سنة 96هـ, اثناء ذهابه او عودته من الحج, ويقال انه توفي في العلا ودفن اسفل هذه القلعة.
ويؤكد الحميد ان منطقة البلدة القديمة تعرضت للنهب, وسرقت منها معظم التراثيات والأثريات التي نقلها السكان القدامى من الاحجار المنقوشة التي جلبوها من منطقة الخريبة التي تعود لحضارة مملكة الديدانيين واللحيانيين.
ومن المعالم البارزة جداً في البلدة القديمة "الطنطورة".. وهي على اطراف البلدة قريباً من جبل ام ناصر الذي عليه قلعة موسى بن نصير وقريبة من مسجد العظام.. وهي ساعة شمسية دقيقة جداً يتم تحديد دخول فصول السنة بناء عليها بآلية دقيقة جداً. ويقول اهالي العلا عنها: "قد تكذب قراءات وتقديرات المراصد الفلكية في دخول مربعانية الشتاء وخروجها ودخول الصيف وخروجه او لا تكون دقيقة ولكن الطنطورة لم تخطيء أبداً.
منذ ان بنيت منذ الآف السنين وما زالت تعمل بدقة متناهية رغم انها لم تسلم هي الاخرى من عبث المخربين الذين حاولوا تدميرها وهدمها لسبب غير معلوم حتى الآن.. الا ان اهالي العلا لم يقبلوا بأن تدمر طنطورتهم وتهدم فقاموا بعملية انقاذ وشكلوا فريق عمل لساعات طويلة واصلوا فيها الليل بالنهار حتى عادت كما كانت..

هدم الطنطورة
ابراهيم بن محمد سليمان البدير - عضو دار العلا للتراث والثقافة يقول: تعرضت "الطنطورة" لعملية هدم من بعض العابثين الذين اعتدوا عليها وهدموا الجزء الأعلى منها قبل ثلاث سنوات عندما دخلنا الى البلدة وفوجئنا بهدم الجزء الاعلى منها وحجارتها واقعة على الارض, فصعدنا الى اعلى البناء ووجدنا "ماسورة حديدية" وهي الاداة المستخدمة في الهدم فجمعنا الحجارة الساقطة منها, وحفظناها لمدة سنة تقريباً.
ثم اعدنا عملية بنائها من جديد, وقد استغرقتنا عملية اعادة البناء من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. بحيث تم تركيب الحجارة المهدومة اولاً وعدنا في اليوم التالي ورفعناها للأعلى وأعدناها كما كانت في السابق دون ان يتغير منها شيء. وقد استغرقنا هذا الوقت لإعادتها الى وضعها السابق لاننا كنا حريصين على اعادة تركيب كل شيء الى مكانه الاصلي ومقارنته بالصور السابقة للطنطورة, حفاظاً على اهميتها التاريخية من ناحية, ومن ناحية اخرى لتبقى دقيقة في رصدها للمواسم والفصول ودخول الشتاء والمربعانية وخروجها كما كانت في السابق دون أي تغيير في دقتها التي تضاهي ادق تقديرات المراصد والفلكيين ولا تخطئ ابداً منذ بنائها وحتى يومنا هذا وقد نجحنا في مهمتنا ولله الحمد. وقد حددت لنا "الطنطورة" بداية دخول فصل الشتاء الفعلي لهذا العام عندما حضرنا اليها ووجدنا ما يشير الى الحجر الذي يعلن عليه ظل "الطنطورة" يوم 22 ديسمبر والذي فيه اقصر نهار واطول ليل, وهو نفس اليوم الذي اعلن فيه الفلكي جبر الدوسري دخول فصل الشتاء لهذا العام. والحجر الذي يسقط عليه ظل الطنطورة مرة واحدة كل عام هو حجر أسود صغير أسفل الشباك الصغير على الجدار الجانبي الملاصق لجدار "الطنطورة". وهو يشير الى ربع النهار ثم حجر آخر على الارض مقابل الطنطورة يشير الى ثلث النهار, وحجر ارضي آخر يشير الى نصف النهار - وهو حجر اسود - الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً ثم الى حجر ارضي آخر من الجهة المقابلة للحجر الاول يشير الى آخر النهار والذي يعلن سقوط ظل الطنطورة عليه خروج "المربعانية". بعد ان تكون قد استمرت اربعين يوماً التي تتم الزراعة فيها وبعد انقضاء هذه الاربعين يوماً لا ينفع زراعة أي قمح او حبوب ولا تنجح أي عملية زراعة بعدها. واثنان من هذه الحجارة يلامسهما الظل مرة واحدة في السنة, يوم واحد الجدي.
اما بالنسبة لتوقيت الصيف فإن ضوء الشمس يضرب على الخشبة التي على بوابة مدخل البلدة القديمة الملاصقة لجدار الطنطورة. ويتدرج ضوء الشمس شيئاً فشيئاً وعلى اساس هذه التدرجات تتم عملية توزيع المياه.
وحتى ان البيت الملاصق للبوابة تتم بناء واجهته مائلة قليلاً للوراء حتى لا يؤثر على دقة "الطنطورة" ويحجب ضوء الشمس عن الخشبة التي على سقف المدخل الى البلدة. وكانت "الطنطورة" هي الساعة المستخدمة لاهل البلدة القديمة حيث لم تكتشف الساعات في ذلك الوقت.


التعاون والتكامل
د. حامد الشويكان - مدير القطاع الصحي بمحافظة العلا يقول: بالنسبة لموضوع البلدة القديمة في محافظة العلا فقد بقي الاهالي لفترة طويلة يعانون من تعرضها للاهمال بالاضافة الى تعرضها للإندثار بفعل العوامل الجوية والسيول وتركها بدون صيانة او عناية. ويضيف: تعرضت البلدة القديمة الى ظروف عديدة في السابق اثرت عليها سلباً ولكن الحمد لله, فالآن الهيئة العليا للسياحة بالتعاون مع امارة المنطقة والبلدية وبرنامج المدن الصحية والاهالي من خلال لجنة اسمها "لجنة اصدقاء الديرة" بدأوا في التعاون والتكامل لانقاذ هذه المدينة الاسلامية التي يعود تاريخها الى اكثر من الف عام. وهي مدينة اسلامية بكافة مقوماتها. ومما لا شك فيه انها تمثل تراثاً حضارياً يدل على ثقافة الآباء والاجداد وعملهم. ويتابع لكننا نتطلع الى دور اكبر من قبل الهيئة العليا للسياحة لاستثمار هذه المدينة التاريخية من خلال اقامة المتاحف و المهرجانات والانشطة الثقافية لتعريف الابناء بالنعمة التي يعيشونها الآن وكيف كانت حياة الآباء والاجداد, حتى نربط بين ماضيهم وحاضرهم. وكذلك لتعريف العالم الخارجي ونقل صورة حضارية عن المملكة. لانه للاسف ان الاعلام الخارجي قد يشوه بعض هذه المعالم الحضارية المشرقة في بلادنا طالما نحن صامتون لا نقدم شيئاً عنها.
ويختم بقوله ان ابناء المحافظة والمسؤولين واعضاء المجلس البلدي يقومون بدورهم في هذا الجانب كل حسب اجتهاده. ولكن نتمنى ان يكون المردود اكبر في تبني مثل هذه الاشياء خاصة فيما يتعلق بالخطط الاستراتيجية بعيدة المدى التي تطور وتنظر الى المدى البعيد من ناحية الاستثمار في توطين الايدي العاملة وتشغيل الشباب وبالتالي نمو الدخل الاقتصادي للمحافظة.